غابة عظمى تنكمش، وأرواح تنجرف
عندما طفت جثة صديق "بولو هالدار" -الميت منذ زمن بعيد- بالقرب من بابها الأمامي، أدركتْ أن منزلها بات في خبر كان لا محالة.فعلى مدى أسابيع قبل ذلك، ظل الحاجز الترابي الذي يحمي قرية "دنغماري الشرقية" التابعة لمقاطعة "كولنا" بجنوب غرب بنغلادش، يعطي إشارات...
عندما طفت جثة صديق "بولو هالدار" -الميت منذ زمن بعيد- بالقرب من بابها الأمامي، أدركتْ أن منزلها بات في خبر كان لا محالة.
فعلى مدى أسابيع قبل ذلك، ظل الحاجز الترابي الذي يحمي قرية "دنغماري الشرقية" التابعة لمقاطعة "كولنا" بجنوب غرب بنغلادش، يعطي إشارات قوية بأنه يوشك أن ينهار فيغرق في نهر "بوسور". ففي البداية، هبّت عاصفة هوجاء فنخرت عميقا في الطبقة الخارجية الخرسانية للحاجز. بعدها، في نهاية عام 2017، بدأ النهر ينخر قلب الجدار الترابي المسامي نفسه؛ وهنالك طفق السكان المحليون يدعمونه بأكياس الرمل، لكن الأمر لم يلبث إلا بضعة أيام. وفي نهاية المطاف، اندفع النهر فغمر المقبرة المقابلة لحديقة هالدار، كاشفًا عن الهياكل العظمية وملوثًا بِركَ مياه الشرب في القرية، ثم ملأ كوخها ذا الغرفة الوحيدة بمياه موحلة بُنية اللون بلغ مستواها خصر هذه المرأة.
قالت مستذكرةً ذلك الحادث: "لم يكن هناك شيء آخر يمكنني فعله لحماية منزلي. كنا عاجزين، مثل أطفال".
كانت هالدار -وهي أرملة يناهز عمرها الـ 50 عاما وذات هندام مرتب بعناية- على علم ببعض مؤشرات ما سيحدث. فقد ظلت تراقب انحسار "صندربانز" القريبة، وهي غابة منغروف (قرم) شاسعة تحيط بالقرية، وكذا أشجارها التي باتت تزداد وهنًا على وهن. وقد لاحظت أيضا أن المياه باتت تستقوي على حساب ضعف هذه الغابة. المفاجأة الوحيدة، كما تؤكد هالدار، هي أن الحواجز الترابية في القرية صمدت فترة طويلة. تقول: "لقد دافعت عنا الأشجار، لكننا عاملناها معاملة سيئة للغاية. والآن نعاني جميعًا عواقب ما اقترفته أيدينا".
في بنغلادش وولاية "البنغال الغربية" بالهند المجاورة، هناك آلاف القرى مثل دنغماري الشرقية.. أماكن ما فتئت تفقد دفاعاتها الطبيعية ضد تغير المناخ واشتداد حدّته. فالأراضي ههنا مسطحة كصفحات ورق وتتخللها أنهار مشبعة بمياه الهيمالايا الذائبة. وكثيرًا ما تهدر الأعاصير قبالة "خليج البنغال"، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى مقتل آلاف الأشخاص. فالفيضانات ههنا مستشرية.
تبلغ مساحة بنغلادش نحو 149 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها 160 مليون نسمة. يشير بعض المزارعين هنا إلى وطنهم بوصفه نموذجا صارخا لسخرية القدر: فالتربة خصبة بقدر يفوق التصور، لكن الناس عرضة للفيضانات الجارفة على الدوام. ففي عام 1998 على سبيل المثال، غمرت فيضانات ضخمة نحو 70 بالمئة من البلد.
ومع ذلك فإن المجتمعات الساحلية بالمنطقة كانت دائمًا ما تعوّل على شيء وحيد ليدرأ عنها ذلك الخطر، ألا وهو "صندربانز"، أكبر غابة منغروف متواصلة في العالم. تمتد هذه الغابة على مساحة تفوق 10 آلاف كيلومتر مربع على جانبي الحدود بين الهند وبنغلادش، وتتشكل من أراض مستنقعية ذات شجر كثيف يتحمل الفيضانات وينتصب كجدار أخضر يكبح العواصف ويبدّد حتى أعتى الأعاصير. بالنسبة إلى أهالي القرى، تعد الغابة كذلك مصدرًا وفيرًا للعسل وتشكل مياهُها مصدرًا للأسماك. يقول "جويدف سردار"، أمين جمعية الصيادين بقرية "هاريناغار" في بنغلادش: "صندربانز هي أمنا. إنها تحمينا وتغذينا وتوفر لنا العمل".
فعلى مدى أسابيع قبل ذلك، ظل الحاجز الترابي الذي يحمي قرية "دنغماري الشرقية" التابعة لمقاطعة "كولنا" بجنوب غرب بنغلادش، يعطي إشارات قوية بأنه يوشك أن ينهار فيغرق في نهر "بوسور". ففي البداية، هبّت عاصفة هوجاء فنخرت عميقا في الطبقة الخارجية الخرسانية للحاجز. بعدها، في نهاية عام 2017، بدأ النهر ينخر قلب الجدار الترابي المسامي نفسه؛ وهنالك طفق السكان المحليون يدعمونه بأكياس الرمل، لكن الأمر لم يلبث إلا بضعة أيام. وفي نهاية المطاف، اندفع النهر فغمر المقبرة المقابلة لحديقة هالدار، كاشفًا عن الهياكل العظمية وملوثًا بِركَ مياه الشرب في القرية، ثم ملأ كوخها ذا الغرفة الوحيدة بمياه موحلة بُنية اللون بلغ مستواها خصر هذه المرأة.
قالت مستذكرةً ذلك الحادث: "لم يكن هناك شيء آخر يمكنني فعله لحماية منزلي. كنا عاجزين، مثل أطفال".
كانت هالدار -وهي أرملة يناهز عمرها الـ 50 عاما وذات هندام مرتب بعناية- على علم ببعض مؤشرات ما سيحدث. فقد ظلت تراقب انحسار "صندربانز" القريبة، وهي غابة منغروف (قرم) شاسعة تحيط بالقرية، وكذا أشجارها التي باتت تزداد وهنًا على وهن. وقد لاحظت أيضا أن المياه باتت تستقوي على حساب ضعف هذه الغابة. المفاجأة الوحيدة، كما تؤكد هالدار، هي أن الحواجز الترابية في القرية صمدت فترة طويلة. تقول: "لقد دافعت عنا الأشجار، لكننا عاملناها معاملة سيئة للغاية. والآن نعاني جميعًا عواقب ما اقترفته أيدينا".
في بنغلادش وولاية "البنغال الغربية" بالهند المجاورة، هناك آلاف القرى مثل دنغماري الشرقية.. أماكن ما فتئت تفقد دفاعاتها الطبيعية ضد تغير المناخ واشتداد حدّته. فالأراضي ههنا مسطحة كصفحات ورق وتتخللها أنهار مشبعة بمياه الهيمالايا الذائبة. وكثيرًا ما تهدر الأعاصير قبالة "خليج البنغال"، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى مقتل آلاف الأشخاص. فالفيضانات ههنا مستشرية.
تبلغ مساحة بنغلادش نحو 149 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها 160 مليون نسمة. يشير بعض المزارعين هنا إلى وطنهم بوصفه نموذجا صارخا لسخرية القدر: فالتربة خصبة بقدر يفوق التصور، لكن الناس عرضة للفيضانات الجارفة على الدوام. ففي عام 1998 على سبيل المثال، غمرت فيضانات ضخمة نحو 70 بالمئة من البلد.
ومع ذلك فإن المجتمعات الساحلية بالمنطقة كانت دائمًا ما تعوّل على شيء وحيد ليدرأ عنها ذلك الخطر، ألا وهو "صندربانز"، أكبر غابة منغروف متواصلة في العالم. تمتد هذه الغابة على مساحة تفوق 10 آلاف كيلومتر مربع على جانبي الحدود بين الهند وبنغلادش، وتتشكل من أراض مستنقعية ذات شجر كثيف يتحمل الفيضانات وينتصب كجدار أخضر يكبح العواصف ويبدّد حتى أعتى الأعاصير. بالنسبة إلى أهالي القرى، تعد الغابة كذلك مصدرًا وفيرًا للعسل وتشكل مياهُها مصدرًا للأسماك. يقول "جويدف سردار"، أمين جمعية الصيادين بقرية "هاريناغار" في بنغلادش: "صندربانز هي أمنا. إنها تحمينا وتغذينا وتوفر لنا العمل".
غابة عظمى تنكمش، وأرواح تنجرف
- أركو داتو
عندما طفت جثة صديق "بولو هالدار" -الميت منذ زمن بعيد- بالقرب من بابها الأمامي، أدركتْ أن منزلها بات في خبر كان لا محالة.فعلى مدى أسابيع قبل ذلك، ظل الحاجز الترابي الذي يحمي قرية "دنغماري الشرقية" التابعة لمقاطعة "كولنا" بجنوب غرب بنغلادش، يعطي إشارات...
عندما طفت جثة صديق "بولو هالدار" -الميت منذ زمن بعيد- بالقرب من بابها الأمامي، أدركتْ أن منزلها بات في خبر كان لا محالة.
فعلى مدى أسابيع قبل ذلك، ظل الحاجز الترابي الذي يحمي قرية "دنغماري الشرقية" التابعة لمقاطعة "كولنا" بجنوب غرب بنغلادش، يعطي إشارات قوية بأنه يوشك أن ينهار فيغرق في نهر "بوسور". ففي البداية، هبّت عاصفة هوجاء فنخرت عميقا في الطبقة الخارجية الخرسانية للحاجز. بعدها، في نهاية عام 2017، بدأ النهر ينخر قلب الجدار الترابي المسامي نفسه؛ وهنالك طفق السكان المحليون يدعمونه بأكياس الرمل، لكن الأمر لم يلبث إلا بضعة أيام. وفي نهاية المطاف، اندفع النهر فغمر المقبرة المقابلة لحديقة هالدار، كاشفًا عن الهياكل العظمية وملوثًا بِركَ مياه الشرب في القرية، ثم ملأ كوخها ذا الغرفة الوحيدة بمياه موحلة بُنية اللون بلغ مستواها خصر هذه المرأة.
قالت مستذكرةً ذلك الحادث: "لم يكن هناك شيء آخر يمكنني فعله لحماية منزلي. كنا عاجزين، مثل أطفال".
كانت هالدار -وهي أرملة يناهز عمرها الـ 50 عاما وذات هندام مرتب بعناية- على علم ببعض مؤشرات ما سيحدث. فقد ظلت تراقب انحسار "صندربانز" القريبة، وهي غابة منغروف (قرم) شاسعة تحيط بالقرية، وكذا أشجارها التي باتت تزداد وهنًا على وهن. وقد لاحظت أيضا أن المياه باتت تستقوي على حساب ضعف هذه الغابة. المفاجأة الوحيدة، كما تؤكد هالدار، هي أن الحواجز الترابية في القرية صمدت فترة طويلة. تقول: "لقد دافعت عنا الأشجار، لكننا عاملناها معاملة سيئة للغاية. والآن نعاني جميعًا عواقب ما اقترفته أيدينا".
في بنغلادش وولاية "البنغال الغربية" بالهند المجاورة، هناك آلاف القرى مثل دنغماري الشرقية.. أماكن ما فتئت تفقد دفاعاتها الطبيعية ضد تغير المناخ واشتداد حدّته. فالأراضي ههنا مسطحة كصفحات ورق وتتخللها أنهار مشبعة بمياه الهيمالايا الذائبة. وكثيرًا ما تهدر الأعاصير قبالة "خليج البنغال"، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى مقتل آلاف الأشخاص. فالفيضانات ههنا مستشرية.
تبلغ مساحة بنغلادش نحو 149 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها 160 مليون نسمة. يشير بعض المزارعين هنا إلى وطنهم بوصفه نموذجا صارخا لسخرية القدر: فالتربة خصبة بقدر يفوق التصور، لكن الناس عرضة للفيضانات الجارفة على الدوام. ففي عام 1998 على سبيل المثال، غمرت فيضانات ضخمة نحو 70 بالمئة من البلد.
ومع ذلك فإن المجتمعات الساحلية بالمنطقة كانت دائمًا ما تعوّل على شيء وحيد ليدرأ عنها ذلك الخطر، ألا وهو "صندربانز"، أكبر غابة منغروف متواصلة في العالم. تمتد هذه الغابة على مساحة تفوق 10 آلاف كيلومتر مربع على جانبي الحدود بين الهند وبنغلادش، وتتشكل من أراض مستنقعية ذات شجر كثيف يتحمل الفيضانات وينتصب كجدار أخضر يكبح العواصف ويبدّد حتى أعتى الأعاصير. بالنسبة إلى أهالي القرى، تعد الغابة كذلك مصدرًا وفيرًا للعسل وتشكل مياهُها مصدرًا للأسماك. يقول "جويدف سردار"، أمين جمعية الصيادين بقرية "هاريناغار" في بنغلادش: "صندربانز هي أمنا. إنها تحمينا وتغذينا وتوفر لنا العمل".
فعلى مدى أسابيع قبل ذلك، ظل الحاجز الترابي الذي يحمي قرية "دنغماري الشرقية" التابعة لمقاطعة "كولنا" بجنوب غرب بنغلادش، يعطي إشارات قوية بأنه يوشك أن ينهار فيغرق في نهر "بوسور". ففي البداية، هبّت عاصفة هوجاء فنخرت عميقا في الطبقة الخارجية الخرسانية للحاجز. بعدها، في نهاية عام 2017، بدأ النهر ينخر قلب الجدار الترابي المسامي نفسه؛ وهنالك طفق السكان المحليون يدعمونه بأكياس الرمل، لكن الأمر لم يلبث إلا بضعة أيام. وفي نهاية المطاف، اندفع النهر فغمر المقبرة المقابلة لحديقة هالدار، كاشفًا عن الهياكل العظمية وملوثًا بِركَ مياه الشرب في القرية، ثم ملأ كوخها ذا الغرفة الوحيدة بمياه موحلة بُنية اللون بلغ مستواها خصر هذه المرأة.
قالت مستذكرةً ذلك الحادث: "لم يكن هناك شيء آخر يمكنني فعله لحماية منزلي. كنا عاجزين، مثل أطفال".
كانت هالدار -وهي أرملة يناهز عمرها الـ 50 عاما وذات هندام مرتب بعناية- على علم ببعض مؤشرات ما سيحدث. فقد ظلت تراقب انحسار "صندربانز" القريبة، وهي غابة منغروف (قرم) شاسعة تحيط بالقرية، وكذا أشجارها التي باتت تزداد وهنًا على وهن. وقد لاحظت أيضا أن المياه باتت تستقوي على حساب ضعف هذه الغابة. المفاجأة الوحيدة، كما تؤكد هالدار، هي أن الحواجز الترابية في القرية صمدت فترة طويلة. تقول: "لقد دافعت عنا الأشجار، لكننا عاملناها معاملة سيئة للغاية. والآن نعاني جميعًا عواقب ما اقترفته أيدينا".
في بنغلادش وولاية "البنغال الغربية" بالهند المجاورة، هناك آلاف القرى مثل دنغماري الشرقية.. أماكن ما فتئت تفقد دفاعاتها الطبيعية ضد تغير المناخ واشتداد حدّته. فالأراضي ههنا مسطحة كصفحات ورق وتتخللها أنهار مشبعة بمياه الهيمالايا الذائبة. وكثيرًا ما تهدر الأعاصير قبالة "خليج البنغال"، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى مقتل آلاف الأشخاص. فالفيضانات ههنا مستشرية.
تبلغ مساحة بنغلادش نحو 149 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها 160 مليون نسمة. يشير بعض المزارعين هنا إلى وطنهم بوصفه نموذجا صارخا لسخرية القدر: فالتربة خصبة بقدر يفوق التصور، لكن الناس عرضة للفيضانات الجارفة على الدوام. ففي عام 1998 على سبيل المثال، غمرت فيضانات ضخمة نحو 70 بالمئة من البلد.
ومع ذلك فإن المجتمعات الساحلية بالمنطقة كانت دائمًا ما تعوّل على شيء وحيد ليدرأ عنها ذلك الخطر، ألا وهو "صندربانز"، أكبر غابة منغروف متواصلة في العالم. تمتد هذه الغابة على مساحة تفوق 10 آلاف كيلومتر مربع على جانبي الحدود بين الهند وبنغلادش، وتتشكل من أراض مستنقعية ذات شجر كثيف يتحمل الفيضانات وينتصب كجدار أخضر يكبح العواصف ويبدّد حتى أعتى الأعاصير. بالنسبة إلى أهالي القرى، تعد الغابة كذلك مصدرًا وفيرًا للعسل وتشكل مياهُها مصدرًا للأسماك. يقول "جويدف سردار"، أمين جمعية الصيادين بقرية "هاريناغار" في بنغلادش: "صندربانز هي أمنا. إنها تحمينا وتغذينا وتوفر لنا العمل".