نسـاء‭ ‬في ‬ساحات‭ ‬الوغى

لا‭ ‬تحصل‭ ‬مجندات‭ "‬المارينز‭" ‬لدى‭ ‬قاعدة‭ "‬باريس‭ ‬آيلاند‭" ‬إلا‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬حصص‭ ‬الأكل‭ ‬والنوم؛‭ ‬لكنهن‭ ‬يحفزن‭ ‬بعضهن‭ ‬بعضا‭ ‬بعبارات‭ ‬تشجيعية‭ ‬وهن‭ ‬يتسلقن‭ ‬الحبال‭ ‬خلال‭ ‬التمرين‭ ‬الذي‭ ‬يستمر‭ ‬54‭ ‬ساعة‭ ‬ويُعرف‭...
جلس سجينان على الأرض في بلدة صحراوية تقع في شرق وسط سورية، يحرسهما نحو 12 رجلا كرديًا. كان السجينان قد استسلما لقوة الدفاع الكردية (المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب الكردي") عندما دحرت مقاتلي "داعش" في الباغوز، آخر معاقلهم في سورية. كان السجينان...
جلس سجينان على الأرض في بلدة صحراوية تقع في شرق وسط سورية، يحرسهما نحو 12 رجلا كرديًا. كان السجينان قد استسلما لقوة الدفاع الكردية (المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب الكردي") عندما دحرت مقاتلي "داعش" في الباغوز، آخر معاقلهم في سورية. كان السجينان ينتظران نقلهما إلى معسكر اعتقال يضم عشرات الآلاف من الموالين لداعش وعائلاتهم. أما الحراس، فكانوا يقفون إلى جانبهما ونشوة النصر بادية على محياهم.
وعلى بعد مئة متر عن ذلك المكان، كانت مقاتلات كرديات يحملن فوق أكتافهن بندقيات "كلاشنيكوف" يتولين حراسة النساء والأطفال الذين يُفترض أنهم زوجات مقاتلي تنظيم "داعش" وأبناؤهم. تجاذبت هؤلاء المقاتلات -المعروفات باسم "وحدات حماية المرأة"- أطراف الحديث، وكثير منهن يسحب أنفاسًا عميقة من السجائر (وكان يُحظر على النساء التدخين في ظل حكم داعش)، في حين كانت أخريات يعدِّلن شعرهن باستخدام هواتفهن النقالة مرايا (وخلال حكم داعش، كان الجَلد هو عقاب كل امرأة لا تغطي شعرها ووجهها). وكانت إحداهن تتحدث من حين إلى آخر إلى هؤلاء النساء المنقبات اللواتي ينتشرن كبحر من القماش الأسود الذي لا يُرى منه إلا عيون ترقب في حذر وتوجس، وأطفال بملابس متسخة.
ومع مضي ساعات الصباح، قررت بعض مقاتلات "وحدات حماية المرأة" رؤية العدو من كثب. إذ اقتربن من السجينين بشكل متفرق في بادئ الأمر، ثم سرن بتؤدة وقد انتظمن في شكل دائرة ضيقة حول الرجلين وهن يحدقن فيهما. قبل زمن ليس ببعيد، كان من الممكن إعدام أي امرأة في هذه البلدة إن هي أقدمت على مثل هذا السلوك. لكن داعش كانت قد انهارت، وكانت هؤلاء المدافعات عن منطقة الأكراد في سورية يطالبن بالمساواة مع رفاقهن الذكور. فقد كانوا على الخطوط الأمامية معًا يستمتعون بنشوة الانتصار.
وفي المنطقة التي تمتد من صحراء سورية ومروج جنوب السودان إلى الأدغال التي مزقتها الحرب في غرب كولومبيا، تتنامى أعداد النساء على الخطوط الأمامية للنزاعات العسكرية. تختلف أزياؤهن وظروفهن، لكنهن يسقن الأسباب نفسها التي دفعتهن للانضمام إلى القوات المسلحة، ألا وهي خدمة بلدانهن؛ وإظهار الثقة بالنفس والكفاءة والقوة، ليَكنَّ قدوة لأطفالهن مع إثبات أشياء لأنفسهن. ويورد بعض منهن أهدافا أسمى لا يذكرها نظراؤهم الذكور: إذ يتطلعن إلى توفير ظروف عيش أفضل، وبخاصة للنساء والفتيات؛ سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو على صعيد العالم ككل.

يسمح ما لا يقل عن 16 دولة صناعية للنساء بالقتال على الجبهات الأمامية أو بأداء أدوار قتالية. وقد انخرطت النساء بصفة رسمية في الجيش الأميركي في أدوار غير قتالية -لكنها لا تخلو من خطورة- منذ أن أنشأ الكونغرس "فيلق ممرضات الجيش" في عام 1901. وقد اضطلعن بمهام التمريض فضلا عن إشرافهن على الاتصالات اللاسلكية والمهام اللوجستية، وفي فترة لاحقة صرن ربابنة لطائرات الهليكوبتر وميكانيكيات دبابات.
حتى عندما تسمح السياسة بمشاركة النساء في الأدوار القتالية، تمتقع وجوه القادة العسكريين الرجال عند إرسالهن إلى الجبهات. لكن في هذا العصر الذي يشهد كثيرًا من الهجمات الإرهابية والصدامات العرقية، قد ينتهي المآل بالنساء العسكريات -مهما كان موقعهن- "في ساحة القتال، لأن ميدان المعركة لا يسير وفق مسار خطي"، على حد قول "ميستي بوزي"، المقدم في قوات مشاة البحرية (المارينز) والتي شغلت منصب قائدة مجندات البحرية في "قاعدة باريس آيلاند" بولاية كارولينا الجنوبية، مدة عامين حتى منتصف 2019. وتضيف قائلة: "إذا كانت إحداهن تشغل وظيفة إدارية أو وظيفة إمداد، فمن الممكن أن تُرسَل إلى القتال. وجميعهن يعلم هذا الأمر".
وغالبًا ما تنخرط المجندات في صفوف الجيش والشك يساورهن بشأن قدرتهن على الاضطلاع بالمهام المنتظرة منهن؛ إذ اعتدن الصورة النمطية التي يشكلها المجتمع عنهن بوصفهن "الجنس الأضعف".

نسـاء‭ ‬في ‬ساحات‭ ‬الوغى

لا‭ ‬تحصل‭ ‬مجندات‭ "‬المارينز‭" ‬لدى‭ ‬قاعدة‭ "‬باريس‭ ‬آيلاند‭" ‬إلا‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬حصص‭ ‬الأكل‭ ‬والنوم؛‭ ‬لكنهن‭ ‬يحفزن‭ ‬بعضهن‭ ‬بعضا‭ ‬بعبارات‭ ‬تشجيعية‭ ‬وهن‭ ‬يتسلقن‭ ‬الحبال‭ ‬خلال‭ ‬التمرين‭ ‬الذي‭ ‬يستمر‭ ‬54‭ ‬ساعة‭ ‬ويُعرف‭...
جلس سجينان على الأرض في بلدة صحراوية تقع في شرق وسط سورية، يحرسهما نحو 12 رجلا كرديًا. كان السجينان قد استسلما لقوة الدفاع الكردية (المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب الكردي") عندما دحرت مقاتلي "داعش" في الباغوز، آخر معاقلهم في سورية. كان السجينان...
جلس سجينان على الأرض في بلدة صحراوية تقع في شرق وسط سورية، يحرسهما نحو 12 رجلا كرديًا. كان السجينان قد استسلما لقوة الدفاع الكردية (المعروفة باسم "وحدات حماية الشعب الكردي") عندما دحرت مقاتلي "داعش" في الباغوز، آخر معاقلهم في سورية. كان السجينان ينتظران نقلهما إلى معسكر اعتقال يضم عشرات الآلاف من الموالين لداعش وعائلاتهم. أما الحراس، فكانوا يقفون إلى جانبهما ونشوة النصر بادية على محياهم.
وعلى بعد مئة متر عن ذلك المكان، كانت مقاتلات كرديات يحملن فوق أكتافهن بندقيات "كلاشنيكوف" يتولين حراسة النساء والأطفال الذين يُفترض أنهم زوجات مقاتلي تنظيم "داعش" وأبناؤهم. تجاذبت هؤلاء المقاتلات -المعروفات باسم "وحدات حماية المرأة"- أطراف الحديث، وكثير منهن يسحب أنفاسًا عميقة من السجائر (وكان يُحظر على النساء التدخين في ظل حكم داعش)، في حين كانت أخريات يعدِّلن شعرهن باستخدام هواتفهن النقالة مرايا (وخلال حكم داعش، كان الجَلد هو عقاب كل امرأة لا تغطي شعرها ووجهها). وكانت إحداهن تتحدث من حين إلى آخر إلى هؤلاء النساء المنقبات اللواتي ينتشرن كبحر من القماش الأسود الذي لا يُرى منه إلا عيون ترقب في حذر وتوجس، وأطفال بملابس متسخة.
ومع مضي ساعات الصباح، قررت بعض مقاتلات "وحدات حماية المرأة" رؤية العدو من كثب. إذ اقتربن من السجينين بشكل متفرق في بادئ الأمر، ثم سرن بتؤدة وقد انتظمن في شكل دائرة ضيقة حول الرجلين وهن يحدقن فيهما. قبل زمن ليس ببعيد، كان من الممكن إعدام أي امرأة في هذه البلدة إن هي أقدمت على مثل هذا السلوك. لكن داعش كانت قد انهارت، وكانت هؤلاء المدافعات عن منطقة الأكراد في سورية يطالبن بالمساواة مع رفاقهن الذكور. فقد كانوا على الخطوط الأمامية معًا يستمتعون بنشوة الانتصار.
وفي المنطقة التي تمتد من صحراء سورية ومروج جنوب السودان إلى الأدغال التي مزقتها الحرب في غرب كولومبيا، تتنامى أعداد النساء على الخطوط الأمامية للنزاعات العسكرية. تختلف أزياؤهن وظروفهن، لكنهن يسقن الأسباب نفسها التي دفعتهن للانضمام إلى القوات المسلحة، ألا وهي خدمة بلدانهن؛ وإظهار الثقة بالنفس والكفاءة والقوة، ليَكنَّ قدوة لأطفالهن مع إثبات أشياء لأنفسهن. ويورد بعض منهن أهدافا أسمى لا يذكرها نظراؤهم الذكور: إذ يتطلعن إلى توفير ظروف عيش أفضل، وبخاصة للنساء والفتيات؛ سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو على صعيد العالم ككل.

يسمح ما لا يقل عن 16 دولة صناعية للنساء بالقتال على الجبهات الأمامية أو بأداء أدوار قتالية. وقد انخرطت النساء بصفة رسمية في الجيش الأميركي في أدوار غير قتالية -لكنها لا تخلو من خطورة- منذ أن أنشأ الكونغرس "فيلق ممرضات الجيش" في عام 1901. وقد اضطلعن بمهام التمريض فضلا عن إشرافهن على الاتصالات اللاسلكية والمهام اللوجستية، وفي فترة لاحقة صرن ربابنة لطائرات الهليكوبتر وميكانيكيات دبابات.
حتى عندما تسمح السياسة بمشاركة النساء في الأدوار القتالية، تمتقع وجوه القادة العسكريين الرجال عند إرسالهن إلى الجبهات. لكن في هذا العصر الذي يشهد كثيرًا من الهجمات الإرهابية والصدامات العرقية، قد ينتهي المآل بالنساء العسكريات -مهما كان موقعهن- "في ساحة القتال، لأن ميدان المعركة لا يسير وفق مسار خطي"، على حد قول "ميستي بوزي"، المقدم في قوات مشاة البحرية (المارينز) والتي شغلت منصب قائدة مجندات البحرية في "قاعدة باريس آيلاند" بولاية كارولينا الجنوبية، مدة عامين حتى منتصف 2019. وتضيف قائلة: "إذا كانت إحداهن تشغل وظيفة إدارية أو وظيفة إمداد، فمن الممكن أن تُرسَل إلى القتال. وجميعهن يعلم هذا الأمر".
وغالبًا ما تنخرط المجندات في صفوف الجيش والشك يساورهن بشأن قدرتهن على الاضطلاع بالمهام المنتظرة منهن؛ إذ اعتدن الصورة النمطية التي يشكلها المجتمع عنهن بوصفهن "الجنس الأضعف".