الحق‭ ‬في‭ ‬الأمان

‭ ‬تشارك‭ ‬نساء‭ ‬في‭ "‬مسيرة‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬النسائية‭" ‬الشهرية‭ ‬في‭ ‬دلهي‭. ‬انطلقت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬عندما‭ ‬قضت‭ ‬امرأة‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬المشي‭ ‬بأرجاء‭ ‬المدينة‭. ‬يهدف‭ ‬المشروع‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬النساء‭ ‬للأماكن‭...
اصطفت النساء‭ ‬الشابات‭ ‬الست‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬يشبه‭ ‬نصف‭ ‬دائرة،‭ ‬وكن‭ ‬يرتدين‭ ‬سترات‭ ‬طويلة‭ ‬ويلوّحن‭ ‬بأوشحتهن‭. ‬أما‭ ‬سراويلهن‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬بناطيل‭ ‬جينز‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬البنطال‭ ‬الفضفاض‭ ‬الذي‭ ‬يفضله‭ ‬المجتمع‭ ‬الهندي‭ ‬التقليدي‭. ‬كان‭ ‬في‭...
اصطفت النساء‭ ‬الشابات‭ ‬الست‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬يشبه‭ ‬نصف‭ ‬دائرة،‭ ‬وكن‭ ‬يرتدين‭ ‬سترات‭ ‬طويلة‭ ‬ويلوّحن‭ ‬بأوشحتهن‭. ‬أما‭ ‬سراويلهن‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬بناطيل‭ ‬جينز‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬البنطال‭ ‬الفضفاض‭ ‬الذي‭ ‬يفضله‭ ‬المجتمع‭ ‬الهندي‭ ‬التقليدي‭. ‬كان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تمرد‭ ‬صغير؛‭ ‬لكنه‭ ‬مهم‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الفتيات‭ ‬اللائي‭ ‬بلغن‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأحياء‭ ‬الفقيرة‭ ‬بجنوب‭ ‬شرق‭ ‬مدينة‭ ‬دلهي‭. ‬كنت‭ ‬حريصة‭ -‬بصفتي‭ ‬صحافية‭- ‬على‭ ‬تتبع‭ ‬جهودهن‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الوعي‭ ‬بسلامة‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬بالهند؛‭ ‬والآن،‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬أحضرت‭ ‬بعض‭ ‬الزوار‭ ‬الأجانب‭ ‬لمعرفة‭ ‬ماذا‭ ‬في‭ ‬جعبة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المشارِكات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬المدعو‭ "‬جَنسنة‭ ‬المدينة‭ ‬الذكية‭ ‬الآمنة‭".‬

سألتنا‭ ‬إحداهن‭: "‬هل‭ ‬يمكننا‭ ‬أداء‭ ‬أغنيتنا؟‭".‬

أجبنا‭: "‬طبعًا‭ ‬يمكنكن‭ ‬ذلك‭". ‬ثم‭ ‬شاهدناهن‭ ‬وهن‭ ‬يغيّرن‭ ‬أوضاعهن‭ ‬الجسدية‭: ‬أقدام‭ ‬تتباعد،‭ ‬ووجوه‭ ‬ترفع،‭ ‬وابتسامات‭ ‬تطلق‭ ‬من‭ ‬القلب‭. ‬كن‭ ‬يحدقن‭ ‬فينا،‭ ‬وينخرطن‭ ‬في‭ ‬إيقاعات‭ ‬الـ‭"‬هيب‭ ‬هوب‭" ‬الخاصة‭ ‬بهن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضربات‭ ‬المفصل‭ ‬والتصفيق‭ ‬وطقطقة‭ ‬الأصابع؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بدأن‭ ‬يغنين‭ ‬هذه‭ ‬المقاطع‭ ‬من‭ ‬موسيقى‭ "‬الراب‭" ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية‭ ‬باللغة‭ ‬الهندية‭:‬

رددوا‭ ‬معي‭ ‬بصوت‭ ‬عالٍ‭.‬

هذه‭ ‬المدينة‭ ‬ملك‭ ‬لي‭ ‬ولكم‭.‬

هذه‭ ‬المدينة‭ ‬ليست‭ ‬ملكًا‭ ‬لأحد‭.‬

هل‭ ‬رآني‭ ‬الأجانب‭ ‬وأنا‭ ‬أحاول‭ ‬منع‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬البكاء؟‭ ‬عمري‭ ‬42‭ ‬عاما‭ ‬ولي‭ ‬عائلتي‭ ‬الخاصة‭. ‬لقد‭ ‬صلت‭ ‬وجلت‭ ‬ربوع‭ ‬الهند‭ -‬بمفردي‭ ‬عادة‭- ‬مدة‭ ‬تناهز‭ ‬العشرين‭ ‬عاما‭. ‬وتدور‭ ‬أحداث‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تخبرني‭ ‬بها‭ ‬النساء،‭ ‬وكذا‭ ‬القصص‭ ‬اليومية‭ ‬من‭ ‬حياتي‭ ‬الخاصة،‭ ‬عن‭ ‬مجتمع‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬تخصيص‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬للرجال‭ ‬حصرًا‭.‬

أتذكر‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬أعوام‭ ‬مراهقتي‭ ‬كنت‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أتخفّى‭ ‬بارتداء‭ ‬ملابس‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬لأتوارى‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬المتحرشين‭ ‬في‭ ‬الشارع‭. ‬وبعد‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬إذ‭ ‬صرت‭ ‬أمارس‭ ‬مهنتي،‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬أتخفّى‭ ‬بالانحناء‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬مقعد‭ ‬سيارتي‭ ‬لتجنب‭ ‬أعين‭ ‬الرجال‭ ‬المتطفلة‭.‬

عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نساء‭ ‬الهند،‭ ‬فإن‭ ‬الإحصائيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بسلامتهن‭ ‬قاتمة‭. ‬فقد‭ ‬أبلغ‭ "‬المكتب‭ ‬الوطني‭ ‬لسجلات‭ ‬الجريمة‭" ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬228650‭ ‬جريمة‭ ‬ضد‭ ‬النساء،‭ ‬تشمل‭ ‬القتل‭ ‬والاغتصاب‭ ‬والخطف‭ ‬والتحرش‭ ‬الجنسي‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬صنفت‭ ‬دراسة‭ ‬استقصائية‭ ‬دولية‭ ‬الهندَ‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الرابعة‭ ‬لأخطر‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬خلف‭ ‬أفغانستان‭ ‬وجمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وباكستان‭. ‬وكانت‭ ‬معاملة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬مصدرًا‭ ‬للإحباط‭ ‬على‭ ‬مرّ‭ ‬أجيال‭ ‬عديدة،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬حالة‭ "‬جيوتي‭ ‬سينغ‭" -‬المرأة‭ ‬المعروفة‭ ‬أيضا‭ ‬باسم‭ "‬نيربهايا‭"- ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬الاعتقاد‭ ‬القديم‭ ‬الراسخ‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬والذي‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬الأخطار‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬طبيعي‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬وينبغي‭ ‬تقبّلها‭.‬

تعني‭ ‬كلمة‭ ‬نيربهايا‭ ‬باللغة‭ ‬الهندية،‭ "‬الشجاعة‭". ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة‭ ‬معروفة‭ ‬للعالم‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬بصفتها‭ ‬الطالبة‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطب‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬للاغتصاب‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬حافلة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬ستة‭ ‬رجال‭ ‬مخمورين‭ ‬قاموا‭ ‬بحشر‭ ‬قضيب‭ ‬في‭ ‬مهبلها‭ ‬بعد‭ ‬الاغتصاب،‭ ‬ثم‭ ‬رموها‭ ‬خارج‭ ‬الحافلة‭. ‬ماتت‭ ‬لاحقا‭. ‬اعتُقل‭ ‬قتلَتُها‭ ‬من‭ ‬البالغين‭ ‬وتمت‭ ‬إدانتهم‭ ‬وحُكم‭ ‬عليهم‭ ‬بالإعدام؛‭ ‬وهي‭ ‬عاقبة‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬تفضي‭ ‬فيه‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬أربع‭ ‬حالات‭ ‬اغتصاب‭ ‬إلى‭ ‬إدانة‭. (‬وقضى‭ ‬منهم‭ ‬حدَثٌ‭ ‬جانحٌ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬ثم‭ ‬غادره‭ ‬ليعيش‭ ‬الآن‭ ‬باسم‭ ‬مختلف‭). ‬أما‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬استثنائية‭ ‬فكان‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬المجتمع‭ ‬الهندي‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬نيربهايا؛‭ ‬بخروج‭ ‬النساء‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬للاحتجاج‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وهنّ‭ ‬يرددن‭: "‬الحرية‭ ‬بلا‭ ‬خوف‭!"‬؛‭ ‬وهو‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬ربما‭ ‬بدأ‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تغيير‭ ‬دائم‭.‬​

الحق‭ ‬في‭ ‬الأمان

‭ ‬تشارك‭ ‬نساء‭ ‬في‭ "‬مسيرة‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬النسائية‭" ‬الشهرية‭ ‬في‭ ‬دلهي‭. ‬انطلقت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬عندما‭ ‬قضت‭ ‬امرأة‭ ‬24‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬المشي‭ ‬بأرجاء‭ ‬المدينة‭. ‬يهدف‭ ‬المشروع‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬النساء‭ ‬للأماكن‭...
اصطفت النساء‭ ‬الشابات‭ ‬الست‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬يشبه‭ ‬نصف‭ ‬دائرة،‭ ‬وكن‭ ‬يرتدين‭ ‬سترات‭ ‬طويلة‭ ‬ويلوّحن‭ ‬بأوشحتهن‭. ‬أما‭ ‬سراويلهن‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬بناطيل‭ ‬جينز‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬البنطال‭ ‬الفضفاض‭ ‬الذي‭ ‬يفضله‭ ‬المجتمع‭ ‬الهندي‭ ‬التقليدي‭. ‬كان‭ ‬في‭...
اصطفت النساء‭ ‬الشابات‭ ‬الست‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬يشبه‭ ‬نصف‭ ‬دائرة،‭ ‬وكن‭ ‬يرتدين‭ ‬سترات‭ ‬طويلة‭ ‬ويلوّحن‭ ‬بأوشحتهن‭. ‬أما‭ ‬سراويلهن‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬بناطيل‭ ‬جينز‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬البنطال‭ ‬الفضفاض‭ ‬الذي‭ ‬يفضله‭ ‬المجتمع‭ ‬الهندي‭ ‬التقليدي‭. ‬كان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تمرد‭ ‬صغير؛‭ ‬لكنه‭ ‬مهم‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الفتيات‭ ‬اللائي‭ ‬بلغن‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأحياء‭ ‬الفقيرة‭ ‬بجنوب‭ ‬شرق‭ ‬مدينة‭ ‬دلهي‭. ‬كنت‭ ‬حريصة‭ -‬بصفتي‭ ‬صحافية‭- ‬على‭ ‬تتبع‭ ‬جهودهن‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الوعي‭ ‬بسلامة‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية‭ ‬بالهند؛‭ ‬والآن،‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬أحضرت‭ ‬بعض‭ ‬الزوار‭ ‬الأجانب‭ ‬لمعرفة‭ ‬ماذا‭ ‬في‭ ‬جعبة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المشارِكات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬المدعو‭ "‬جَنسنة‭ ‬المدينة‭ ‬الذكية‭ ‬الآمنة‭".‬

سألتنا‭ ‬إحداهن‭: "‬هل‭ ‬يمكننا‭ ‬أداء‭ ‬أغنيتنا؟‭".‬

أجبنا‭: "‬طبعًا‭ ‬يمكنكن‭ ‬ذلك‭". ‬ثم‭ ‬شاهدناهن‭ ‬وهن‭ ‬يغيّرن‭ ‬أوضاعهن‭ ‬الجسدية‭: ‬أقدام‭ ‬تتباعد،‭ ‬ووجوه‭ ‬ترفع،‭ ‬وابتسامات‭ ‬تطلق‭ ‬من‭ ‬القلب‭. ‬كن‭ ‬يحدقن‭ ‬فينا،‭ ‬وينخرطن‭ ‬في‭ ‬إيقاعات‭ ‬الـ‭"‬هيب‭ ‬هوب‭" ‬الخاصة‭ ‬بهن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضربات‭ ‬المفصل‭ ‬والتصفيق‭ ‬وطقطقة‭ ‬الأصابع؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بدأن‭ ‬يغنين‭ ‬هذه‭ ‬المقاطع‭ ‬من‭ ‬موسيقى‭ "‬الراب‭" ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬صعبة‭ ‬للغاية‭ ‬باللغة‭ ‬الهندية‭:‬

رددوا‭ ‬معي‭ ‬بصوت‭ ‬عالٍ‭.‬

هذه‭ ‬المدينة‭ ‬ملك‭ ‬لي‭ ‬ولكم‭.‬

هذه‭ ‬المدينة‭ ‬ليست‭ ‬ملكًا‭ ‬لأحد‭.‬

هل‭ ‬رآني‭ ‬الأجانب‭ ‬وأنا‭ ‬أحاول‭ ‬منع‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬البكاء؟‭ ‬عمري‭ ‬42‭ ‬عاما‭ ‬ولي‭ ‬عائلتي‭ ‬الخاصة‭. ‬لقد‭ ‬صلت‭ ‬وجلت‭ ‬ربوع‭ ‬الهند‭ -‬بمفردي‭ ‬عادة‭- ‬مدة‭ ‬تناهز‭ ‬العشرين‭ ‬عاما‭. ‬وتدور‭ ‬أحداث‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬تخبرني‭ ‬بها‭ ‬النساء،‭ ‬وكذا‭ ‬القصص‭ ‬اليومية‭ ‬من‭ ‬حياتي‭ ‬الخاصة،‭ ‬عن‭ ‬مجتمع‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬تخصيص‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬للرجال‭ ‬حصرًا‭.‬

أتذكر‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬أعوام‭ ‬مراهقتي‭ ‬كنت‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أتخفّى‭ ‬بارتداء‭ ‬ملابس‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬لأتوارى‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬المتحرشين‭ ‬في‭ ‬الشارع‭. ‬وبعد‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬إذ‭ ‬صرت‭ ‬أمارس‭ ‬مهنتي،‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أزال‭ ‬أتخفّى‭ ‬بالانحناء‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬مقعد‭ ‬سيارتي‭ ‬لتجنب‭ ‬أعين‭ ‬الرجال‭ ‬المتطفلة‭.‬

عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نساء‭ ‬الهند،‭ ‬فإن‭ ‬الإحصائيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بسلامتهن‭ ‬قاتمة‭. ‬فقد‭ ‬أبلغ‭ "‬المكتب‭ ‬الوطني‭ ‬لسجلات‭ ‬الجريمة‭" ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬عن‭ ‬حدوث‭ ‬228650‭ ‬جريمة‭ ‬ضد‭ ‬النساء،‭ ‬تشمل‭ ‬القتل‭ ‬والاغتصاب‭ ‬والخطف‭ ‬والتحرش‭ ‬الجنسي‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬العام،‭ ‬صنفت‭ ‬دراسة‭ ‬استقصائية‭ ‬دولية‭ ‬الهندَ‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الرابعة‭ ‬لأخطر‭ ‬البلدان‭ ‬على‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬خلف‭ ‬أفغانستان‭ ‬وجمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وباكستان‭. ‬وكانت‭ ‬معاملة‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬مصدرًا‭ ‬للإحباط‭ ‬على‭ ‬مرّ‭ ‬أجيال‭ ‬عديدة،‭ ‬ولكن‭ ‬كانت‭ ‬حالة‭ "‬جيوتي‭ ‬سينغ‭" -‬المرأة‭ ‬المعروفة‭ ‬أيضا‭ ‬باسم‭ "‬نيربهايا‭"- ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬تحطيم‭ ‬الاعتقاد‭ ‬القديم‭ ‬الراسخ‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬والذي‭ ‬مفاده‭ ‬أن‭ ‬الأخطار‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬طبيعي‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬وينبغي‭ ‬تقبّلها‭.‬

تعني‭ ‬كلمة‭ ‬نيربهايا‭ ‬باللغة‭ ‬الهندية،‭ "‬الشجاعة‭". ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة‭ ‬معروفة‭ ‬للعالم‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬بصفتها‭ ‬الطالبة‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطب‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬للاغتصاب‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬حافلة‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬ستة‭ ‬رجال‭ ‬مخمورين‭ ‬قاموا‭ ‬بحشر‭ ‬قضيب‭ ‬في‭ ‬مهبلها‭ ‬بعد‭ ‬الاغتصاب،‭ ‬ثم‭ ‬رموها‭ ‬خارج‭ ‬الحافلة‭. ‬ماتت‭ ‬لاحقا‭. ‬اعتُقل‭ ‬قتلَتُها‭ ‬من‭ ‬البالغين‭ ‬وتمت‭ ‬إدانتهم‭ ‬وحُكم‭ ‬عليهم‭ ‬بالإعدام؛‭ ‬وهي‭ ‬عاقبة‭ ‬غير‭ ‬عادية‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬تفضي‭ ‬فيه‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬أربع‭ ‬حالات‭ ‬اغتصاب‭ ‬إلى‭ ‬إدانة‭. (‬وقضى‭ ‬منهم‭ ‬حدَثٌ‭ ‬جانحٌ‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعوام‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬ثم‭ ‬غادره‭ ‬ليعيش‭ ‬الآن‭ ‬باسم‭ ‬مختلف‭). ‬أما‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬استثنائية‭ ‬فكان‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬المجتمع‭ ‬الهندي‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬نيربهايا؛‭ ‬بخروج‭ ‬النساء‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬للاحتجاج‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وهنّ‭ ‬يرددن‭: "‬الحرية‭ ‬بلا‭ ‬خوف‭!"‬؛‭ ‬وهو‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬ربما‭ ‬بدأ‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬حدوث‭ ‬تغيير‭ ‬دائم‭.‬​