جبال الـورد الـزكـيـة

دائمًا ما يحرص "ياسر التوبي" على أخذ أحفاده معه إلى مزرعته الواقعة بمنطقة "سيق" لإشراكهم في عملية قطف الورد الجبلي؛ ما يضمن انتقال هذه الحرفة من جيل إلى جيل.
مزارعُ وَردٍ جبلية ذات قطوف دانية تعبق بالروائح الزكية.. وتختزل قرونًا من تراث الأرياف العمانية.

ظل أهالي "الجبل الأخضر" في عُمان يعضّون بالنواجذ -جيلًا بعد جيل- على حِرفة أجدادهم ويرعونها حق رعايتها ويحفظون أسرارها المكنونة المتوارثة. تتمثل هذه الصناعة في تحويل الورد إلى سائلٍ "مبارك" ينشر عبَقَه على مناسباتهم الاجتماعية ويدرّ عليهم دخلًا ماديًا مهمًّا. وتؤوي المنطقة عددًا كبيرًا من حقول الورد التي تتوزع على ست قرى رئيسة. ويُوصَف المناخ ههنا بالمعتدل صيفًا وشديد البرودة شتاءً؛ وقد أسهم هذا الموقع الجغرافي، بارتفاعه عن سطح البحر بنحو 3000 متر، في توفير بيئة زراعية خصبة لإنتاج هذا الورد الجبلي فضلًا عن أجود الفواكه.

فما إن يحل شهر يناير حتى يُشَمِّر المزارعون عن سواعدهم ويشرعون في تشذيب أشجار الورد ورعايتها، منتظرين موسم تفتُّح الأزهار مع بداية شهر مارس حينَ يبدأ قطاف الورد وتحويله إلى المنتَج النهائي، إلى أن يُسدَل الستار على هذا الحدث في منتصف شهر مايو. تبدأ الحلقة الأولى لسلسلة الإنتاج بقطف الورد وتجهيز الفرن، المعروف محليًا باسم "الدهجان" ويُصنع عادة من الطين، وهو المركز الرئيس لعملية الإنتاج. بعد أن تُجمع كميات الورد، تُنقَل إلى الدهجان حيث تُوضع في فتحات فخارية -تُسمى الواحدة منها "بورمة"- تحت موقد الفرن. تُغطى البورمات بطاسات مصنوعة من النحاس ومملوءة بالماء، وتُلَفُّ الفجوات الفاصلة بين كل بورمة وطاسة بإحكام بواسطة قطعة قماش حتى لا يتسرب البخار. بعد ذلك، يُقطَّر الماء المستخلَص ليتصفَّى ومن ثم يُحفظَ في جرّات كبيرة. ويشتهر ماء الورد في "الجبل الأخضر" بجودته العالية؛ ويُستخدَم في صنع ألوان شتى من الأطعمة وخاصة الحلوى العُمانية، ويحضر في الأعراس وغيرها من المناسبات التي يُستقبَل فيها الزوار بطيب هذا الورد السائل.

لم تكـن زيـارة "سـامـي الهنائي" -مصور هذه اليوميات- إلى هذه المنطقة الجبلية مَهمة سهلة؛ فالتنقل بين قراها يتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا. لكن عزيمةَ صاحبِنا لم تفتر، إذ يقول: "لم أشعر بالتعب من المشي؛ إذ كنت كلما رأيتُ نشاط دليلي المسنّ ورشاقته في المشي، أتحفّز لمواصلة الرحلة بين مزارع القرى الجبلية". سألت الهنائي عن أجواء موسم القطف، فأجاب: "في الصباح الباكر ستشاهد صاحب المزرعة -وهو كبير العائلة عادة- رفقة أبنائه وأحفاده يتجهون إلى الأشجار للشروع في القطف. وسترى الأطفال والشباب مستمتعين إذ يملؤون أوعيتهم بالورد والسعادة تغمرهم". يشارك جميع الأهالي في هذا المهرجان الوردي ويتآزر الجيران فيما بينهم، سعيًا لإنجاح حدث يتعدى كونه موردًا ماليًا ليصبح حدثًا اجتماعيًا تعمّ فيه البهجة وتنضح فيه الأجواء بالأريج. ويقول الهنائي إنه حاول بعدسته نقل هذه التجربة العُمانية الأصيلة؛ لكنها في الواقع تجربةٌ تستحق أن تُشاهدَ عيانًا بعُمـان.. في عين المكـان.

 

جبال الـورد الـزكـيـة

دائمًا ما يحرص "ياسر التوبي" على أخذ أحفاده معه إلى مزرعته الواقعة بمنطقة "سيق" لإشراكهم في عملية قطف الورد الجبلي؛ ما يضمن انتقال هذه الحرفة من جيل إلى جيل.
مزارعُ وَردٍ جبلية ذات قطوف دانية تعبق بالروائح الزكية.. وتختزل قرونًا من تراث الأرياف العمانية.

ظل أهالي "الجبل الأخضر" في عُمان يعضّون بالنواجذ -جيلًا بعد جيل- على حِرفة أجدادهم ويرعونها حق رعايتها ويحفظون أسرارها المكنونة المتوارثة. تتمثل هذه الصناعة في تحويل الورد إلى سائلٍ "مبارك" ينشر عبَقَه على مناسباتهم الاجتماعية ويدرّ عليهم دخلًا ماديًا مهمًّا. وتؤوي المنطقة عددًا كبيرًا من حقول الورد التي تتوزع على ست قرى رئيسة. ويُوصَف المناخ ههنا بالمعتدل صيفًا وشديد البرودة شتاءً؛ وقد أسهم هذا الموقع الجغرافي، بارتفاعه عن سطح البحر بنحو 3000 متر، في توفير بيئة زراعية خصبة لإنتاج هذا الورد الجبلي فضلًا عن أجود الفواكه.

فما إن يحل شهر يناير حتى يُشَمِّر المزارعون عن سواعدهم ويشرعون في تشذيب أشجار الورد ورعايتها، منتظرين موسم تفتُّح الأزهار مع بداية شهر مارس حينَ يبدأ قطاف الورد وتحويله إلى المنتَج النهائي، إلى أن يُسدَل الستار على هذا الحدث في منتصف شهر مايو. تبدأ الحلقة الأولى لسلسلة الإنتاج بقطف الورد وتجهيز الفرن، المعروف محليًا باسم "الدهجان" ويُصنع عادة من الطين، وهو المركز الرئيس لعملية الإنتاج. بعد أن تُجمع كميات الورد، تُنقَل إلى الدهجان حيث تُوضع في فتحات فخارية -تُسمى الواحدة منها "بورمة"- تحت موقد الفرن. تُغطى البورمات بطاسات مصنوعة من النحاس ومملوءة بالماء، وتُلَفُّ الفجوات الفاصلة بين كل بورمة وطاسة بإحكام بواسطة قطعة قماش حتى لا يتسرب البخار. بعد ذلك، يُقطَّر الماء المستخلَص ليتصفَّى ومن ثم يُحفظَ في جرّات كبيرة. ويشتهر ماء الورد في "الجبل الأخضر" بجودته العالية؛ ويُستخدَم في صنع ألوان شتى من الأطعمة وخاصة الحلوى العُمانية، ويحضر في الأعراس وغيرها من المناسبات التي يُستقبَل فيها الزوار بطيب هذا الورد السائل.

لم تكـن زيـارة "سـامـي الهنائي" -مصور هذه اليوميات- إلى هذه المنطقة الجبلية مَهمة سهلة؛ فالتنقل بين قراها يتطلب جهدًا بدنيًا كبيرًا. لكن عزيمةَ صاحبِنا لم تفتر، إذ يقول: "لم أشعر بالتعب من المشي؛ إذ كنت كلما رأيتُ نشاط دليلي المسنّ ورشاقته في المشي، أتحفّز لمواصلة الرحلة بين مزارع القرى الجبلية". سألت الهنائي عن أجواء موسم القطف، فأجاب: "في الصباح الباكر ستشاهد صاحب المزرعة -وهو كبير العائلة عادة- رفقة أبنائه وأحفاده يتجهون إلى الأشجار للشروع في القطف. وسترى الأطفال والشباب مستمتعين إذ يملؤون أوعيتهم بالورد والسعادة تغمرهم". يشارك جميع الأهالي في هذا المهرجان الوردي ويتآزر الجيران فيما بينهم، سعيًا لإنجاح حدث يتعدى كونه موردًا ماليًا ليصبح حدثًا اجتماعيًا تعمّ فيه البهجة وتنضح فيه الأجواء بالأريج. ويقول الهنائي إنه حاول بعدسته نقل هذه التجربة العُمانية الأصيلة؛ لكنها في الواقع تجربةٌ تستحق أن تُشاهدَ عيانًا بعُمـان.. في عين المكـان.