لا تُوقظوا دُبًا نائمًا!
في كهف ناءٍ بولاية يوتاه الأميركية، يستقبل دب أسود زوّارًا غير متوقعين.كانت مَهمّتنا تتمثّل ببساطة في تبديل بعض البطاريات.. لكن المشكلة هي أن تلك البطاريات كانت في جهاز تعقّب داخل طوقٍ حول رقبة دب أسود يعيش في "منتزه برايس كانيون الوطني" بولاية يوتاه....
في كهف ناءٍ بولاية يوتاه الأميركية، يستقبل دب أسود زوّارًا غير متوقعين.
كانت مَهمّتنا تتمثّل ببساطة في تبديل بعض البطاريات.. لكن المشكلة هي أن تلك البطاريات كانت في جهاز تعقّب داخل طوقٍ حول رقبة دب أسود يعيش في "منتزه برايس كانيون الوطني" بولاية يوتاه. ولقد جئتُ تلبيةً لدعوة من "ويس لارسون" لمرافقته في ما وصفها بـِ "مغامرة صغيرة" تمثّلت في تخدير ذلك الدب أثناء سباته الشتوي. لارسون عالم بيولوجيا متخصص في الحيوانات البرية، وكان حينها يحاول إيجاد طريقة لتقليل المواجهات بين البشر والدببة في مواقع التخييم ضمن الأماكن غير المأهولة.
في يوم بارد وصافٍ من أيام فبراير، تَتبَّعنا -أنا وويس وشقيقه جيف ومساعده جوردان- إحداثيّات نظام (GPS) المرسَلة من طوق الدب، إذ صعدنا مرتفعًا لنصل إلى وادٍ أخدودي ذي تربة حمراء تكسوه أجمات صحراوية مرتفعة وثلج قد تساقط حديثًا. قادَتْنا تلك الإشارات إلى واجهة سفح تل شديد الانحدار. اشتدت برودة الطقس حتى بلغت 12 درجة مئوية دون الصفر ونحن نَكِـز بعِصيّنا الثلج بحثًا عن مدخل العرين.
هنالك قادتنا إشارة ضعيفة التردد إلى عرائنَ عديدة خالية. ولمّا شارفت شمس اليوم على المغيب، فكّرنا بالعودة؛ لكن ستارًا من الثلج انهار أمامنا ليكشف عن كهف من الحجر الرملي خلفه. هممنا بدخول الكهف فوجدناه يضيق ثم يضيق إلى أن صار نفقًا مظلمًا تنبعث منه رائحةٌ نتنة لحيوان بري.
كان عرْضُ النفق بالكاد يسمح باستدارة واحدة، وكان معوجًّا إلى اليسار بشكل حجب عن أعيننا المشهدَ الذي كان ينتظرنا بالداخل. ومع ذلك، لم يتردّد ويس في اقتحام المكان متقدمًا برأسه وقد تسلّح بعصا قابلة للتمديد أكثر من مترين وفي طرفها مِحقنة تحوي مخدِّرَ حيوانات. ثم سارَ في إثرهِ شقيقُه زحفًا.
بعد ثلاثين ثانية، خرج الرجلان بسرعة من النفق وهما يزحفان بطريقة خلفية. لا عجب، فوزن الدب الذي كانا قد ثبّتا طوق التعّقب حول رقبته قبل عام ونصف العام قد أصبح يناهز الـ 160 كيلوجرامًا.. وكان مستيقظًا! تمكّنا من طعنه بالمحقنة، لذا انتظرنا حتى يسري مفعول المخدّر. وللعلم، فإنه عندما تدخل الدببة السوداء في سباتها الشتوي فإن تنفّسها يصير بطيئًا وتنقص حرارة جسمها بنحو 6.5 درجة مئوية؛ وهي درجة متدنية بما يكفي لخفض معدّل الأيض إلى النصف، ولكنها أيضا كافية لجعل الدببة تستجيب لأي شعور بالخطر. هنالك طفقتُ أزحف على ساعدَي وركبتَي لألحق بويس، وقد شعرتُ بشيء من الأمان لمعرفتي أنه في حال هجم علينا الدب فقد تكون لدي فرصة للهرب، لأن صاحبي سيتعرض للعض والافتراس قبلي.
عندما اجتزنا المنعطف في النفق، لمعَتْ أمامنا عينان شاخصتان. فلقد كان الدب ما يزال مستيقظًا. التقطتُ له سريعًا هذه الصورة المعروضة أعلاه. وطلبَ إلي ويس أن أبقى مكاني فيما عاد هو القهقرى وحضّر جرعة أخرى من المخدر؛ إذْ لَو حدَثَ أن هرب الدب وهو في حالة تخديرٍ جزئي، فلربما سقط في الوادي أسفل منا.
أخذ الدب يزحف باتجاهنا إلى أن وجدتُ نفسي مضطرًا للخروج من العرين؛ فأغلقنا مدخله باهتياج مستعملينَ حقائب الظهر والعصيّ فيما طعنه ويس مرة أخرى بالمحقنة. لكن الدب تمكن من اختراق متراسنا بقوة وتجاوزنا سائرًا بخطى مترنّحة؛ فبدأ يزحف هابطًا المنحدر الثلجي. هنالك رمى جيف وجوردان نفسيهما للإمساك برِجلَي الدب، وحاولا جاهدين التشبّث به؛ أما ويس فقفز على ظهره وأمسك بطوقه.
راح الدب يسحبهما إلى أسفل سفح التل حتى استقر لدى الأغصان الخفيضة لشجرة صنوبر. فقد كان مفعول المخدر قد بدأ. ونام الدب لحظتَها. تولّى ويس وشقيقه تغيير بطاريات طوق التعقّب ودرسا حالة الدب الصحية. ولكن بقيت على عواتقنا مَهمّة أخيرة شاقّة، هي عَـتْــلُ دبٍّ مرتخٍ يزن نحو 160 كيلوجرامًا على مرتقًى ثلجي ومن ثم سحبه إلى عرينه بأمان من جديد قبل أن يستيقظ. فطفقنا ندفعه ونجرجره بكل ما أوتينا من قوة.. فنجحنا أخيرًا قبل زوال مفعول المخدر.
عندما حلّ فصل الربيع، أظهرت الإشارات المُرسَلة من طوق التعقّب الجديد حول رقبة الدب أنه واصل حياته الاعتيادية، متحاشيًا الاحتكاك بالبشر.. أو ذلك ما كنا، وسنظل، نأمل.
كانت مَهمّتنا تتمثّل ببساطة في تبديل بعض البطاريات.. لكن المشكلة هي أن تلك البطاريات كانت في جهاز تعقّب داخل طوقٍ حول رقبة دب أسود يعيش في "منتزه برايس كانيون الوطني" بولاية يوتاه. ولقد جئتُ تلبيةً لدعوة من "ويس لارسون" لمرافقته في ما وصفها بـِ "مغامرة صغيرة" تمثّلت في تخدير ذلك الدب أثناء سباته الشتوي. لارسون عالم بيولوجيا متخصص في الحيوانات البرية، وكان حينها يحاول إيجاد طريقة لتقليل المواجهات بين البشر والدببة في مواقع التخييم ضمن الأماكن غير المأهولة.
في يوم بارد وصافٍ من أيام فبراير، تَتبَّعنا -أنا وويس وشقيقه جيف ومساعده جوردان- إحداثيّات نظام (GPS) المرسَلة من طوق الدب، إذ صعدنا مرتفعًا لنصل إلى وادٍ أخدودي ذي تربة حمراء تكسوه أجمات صحراوية مرتفعة وثلج قد تساقط حديثًا. قادَتْنا تلك الإشارات إلى واجهة سفح تل شديد الانحدار. اشتدت برودة الطقس حتى بلغت 12 درجة مئوية دون الصفر ونحن نَكِـز بعِصيّنا الثلج بحثًا عن مدخل العرين.
هنالك قادتنا إشارة ضعيفة التردد إلى عرائنَ عديدة خالية. ولمّا شارفت شمس اليوم على المغيب، فكّرنا بالعودة؛ لكن ستارًا من الثلج انهار أمامنا ليكشف عن كهف من الحجر الرملي خلفه. هممنا بدخول الكهف فوجدناه يضيق ثم يضيق إلى أن صار نفقًا مظلمًا تنبعث منه رائحةٌ نتنة لحيوان بري.
كان عرْضُ النفق بالكاد يسمح باستدارة واحدة، وكان معوجًّا إلى اليسار بشكل حجب عن أعيننا المشهدَ الذي كان ينتظرنا بالداخل. ومع ذلك، لم يتردّد ويس في اقتحام المكان متقدمًا برأسه وقد تسلّح بعصا قابلة للتمديد أكثر من مترين وفي طرفها مِحقنة تحوي مخدِّرَ حيوانات. ثم سارَ في إثرهِ شقيقُه زحفًا.
بعد ثلاثين ثانية، خرج الرجلان بسرعة من النفق وهما يزحفان بطريقة خلفية. لا عجب، فوزن الدب الذي كانا قد ثبّتا طوق التعّقب حول رقبته قبل عام ونصف العام قد أصبح يناهز الـ 160 كيلوجرامًا.. وكان مستيقظًا! تمكّنا من طعنه بالمحقنة، لذا انتظرنا حتى يسري مفعول المخدّر. وللعلم، فإنه عندما تدخل الدببة السوداء في سباتها الشتوي فإن تنفّسها يصير بطيئًا وتنقص حرارة جسمها بنحو 6.5 درجة مئوية؛ وهي درجة متدنية بما يكفي لخفض معدّل الأيض إلى النصف، ولكنها أيضا كافية لجعل الدببة تستجيب لأي شعور بالخطر. هنالك طفقتُ أزحف على ساعدَي وركبتَي لألحق بويس، وقد شعرتُ بشيء من الأمان لمعرفتي أنه في حال هجم علينا الدب فقد تكون لدي فرصة للهرب، لأن صاحبي سيتعرض للعض والافتراس قبلي.
عندما اجتزنا المنعطف في النفق، لمعَتْ أمامنا عينان شاخصتان. فلقد كان الدب ما يزال مستيقظًا. التقطتُ له سريعًا هذه الصورة المعروضة أعلاه. وطلبَ إلي ويس أن أبقى مكاني فيما عاد هو القهقرى وحضّر جرعة أخرى من المخدر؛ إذْ لَو حدَثَ أن هرب الدب وهو في حالة تخديرٍ جزئي، فلربما سقط في الوادي أسفل منا.
أخذ الدب يزحف باتجاهنا إلى أن وجدتُ نفسي مضطرًا للخروج من العرين؛ فأغلقنا مدخله باهتياج مستعملينَ حقائب الظهر والعصيّ فيما طعنه ويس مرة أخرى بالمحقنة. لكن الدب تمكن من اختراق متراسنا بقوة وتجاوزنا سائرًا بخطى مترنّحة؛ فبدأ يزحف هابطًا المنحدر الثلجي. هنالك رمى جيف وجوردان نفسيهما للإمساك برِجلَي الدب، وحاولا جاهدين التشبّث به؛ أما ويس فقفز على ظهره وأمسك بطوقه.
راح الدب يسحبهما إلى أسفل سفح التل حتى استقر لدى الأغصان الخفيضة لشجرة صنوبر. فقد كان مفعول المخدر قد بدأ. ونام الدب لحظتَها. تولّى ويس وشقيقه تغيير بطاريات طوق التعقّب ودرسا حالة الدب الصحية. ولكن بقيت على عواتقنا مَهمّة أخيرة شاقّة، هي عَـتْــلُ دبٍّ مرتخٍ يزن نحو 160 كيلوجرامًا على مرتقًى ثلجي ومن ثم سحبه إلى عرينه بأمان من جديد قبل أن يستيقظ. فطفقنا ندفعه ونجرجره بكل ما أوتينا من قوة.. فنجحنا أخيرًا قبل زوال مفعول المخدر.
عندما حلّ فصل الربيع، أظهرت الإشارات المُرسَلة من طوق التعقّب الجديد حول رقبة الدب أنه واصل حياته الاعتيادية، متحاشيًا الاحتكاك بالبشر.. أو ذلك ما كنا، وسنظل، نأمل.
لا تُوقظوا دُبًا نائمًا!
- كوري آرنولد
في كهف ناءٍ بولاية يوتاه الأميركية، يستقبل دب أسود زوّارًا غير متوقعين.كانت مَهمّتنا تتمثّل ببساطة في تبديل بعض البطاريات.. لكن المشكلة هي أن تلك البطاريات كانت في جهاز تعقّب داخل طوقٍ حول رقبة دب أسود يعيش في "منتزه برايس كانيون الوطني" بولاية يوتاه....
في كهف ناءٍ بولاية يوتاه الأميركية، يستقبل دب أسود زوّارًا غير متوقعين.
كانت مَهمّتنا تتمثّل ببساطة في تبديل بعض البطاريات.. لكن المشكلة هي أن تلك البطاريات كانت في جهاز تعقّب داخل طوقٍ حول رقبة دب أسود يعيش في "منتزه برايس كانيون الوطني" بولاية يوتاه. ولقد جئتُ تلبيةً لدعوة من "ويس لارسون" لمرافقته في ما وصفها بـِ "مغامرة صغيرة" تمثّلت في تخدير ذلك الدب أثناء سباته الشتوي. لارسون عالم بيولوجيا متخصص في الحيوانات البرية، وكان حينها يحاول إيجاد طريقة لتقليل المواجهات بين البشر والدببة في مواقع التخييم ضمن الأماكن غير المأهولة.
في يوم بارد وصافٍ من أيام فبراير، تَتبَّعنا -أنا وويس وشقيقه جيف ومساعده جوردان- إحداثيّات نظام (GPS) المرسَلة من طوق الدب، إذ صعدنا مرتفعًا لنصل إلى وادٍ أخدودي ذي تربة حمراء تكسوه أجمات صحراوية مرتفعة وثلج قد تساقط حديثًا. قادَتْنا تلك الإشارات إلى واجهة سفح تل شديد الانحدار. اشتدت برودة الطقس حتى بلغت 12 درجة مئوية دون الصفر ونحن نَكِـز بعِصيّنا الثلج بحثًا عن مدخل العرين.
هنالك قادتنا إشارة ضعيفة التردد إلى عرائنَ عديدة خالية. ولمّا شارفت شمس اليوم على المغيب، فكّرنا بالعودة؛ لكن ستارًا من الثلج انهار أمامنا ليكشف عن كهف من الحجر الرملي خلفه. هممنا بدخول الكهف فوجدناه يضيق ثم يضيق إلى أن صار نفقًا مظلمًا تنبعث منه رائحةٌ نتنة لحيوان بري.
كان عرْضُ النفق بالكاد يسمح باستدارة واحدة، وكان معوجًّا إلى اليسار بشكل حجب عن أعيننا المشهدَ الذي كان ينتظرنا بالداخل. ومع ذلك، لم يتردّد ويس في اقتحام المكان متقدمًا برأسه وقد تسلّح بعصا قابلة للتمديد أكثر من مترين وفي طرفها مِحقنة تحوي مخدِّرَ حيوانات. ثم سارَ في إثرهِ شقيقُه زحفًا.
بعد ثلاثين ثانية، خرج الرجلان بسرعة من النفق وهما يزحفان بطريقة خلفية. لا عجب، فوزن الدب الذي كانا قد ثبّتا طوق التعّقب حول رقبته قبل عام ونصف العام قد أصبح يناهز الـ 160 كيلوجرامًا.. وكان مستيقظًا! تمكّنا من طعنه بالمحقنة، لذا انتظرنا حتى يسري مفعول المخدّر. وللعلم، فإنه عندما تدخل الدببة السوداء في سباتها الشتوي فإن تنفّسها يصير بطيئًا وتنقص حرارة جسمها بنحو 6.5 درجة مئوية؛ وهي درجة متدنية بما يكفي لخفض معدّل الأيض إلى النصف، ولكنها أيضا كافية لجعل الدببة تستجيب لأي شعور بالخطر. هنالك طفقتُ أزحف على ساعدَي وركبتَي لألحق بويس، وقد شعرتُ بشيء من الأمان لمعرفتي أنه في حال هجم علينا الدب فقد تكون لدي فرصة للهرب، لأن صاحبي سيتعرض للعض والافتراس قبلي.
عندما اجتزنا المنعطف في النفق، لمعَتْ أمامنا عينان شاخصتان. فلقد كان الدب ما يزال مستيقظًا. التقطتُ له سريعًا هذه الصورة المعروضة أعلاه. وطلبَ إلي ويس أن أبقى مكاني فيما عاد هو القهقرى وحضّر جرعة أخرى من المخدر؛ إذْ لَو حدَثَ أن هرب الدب وهو في حالة تخديرٍ جزئي، فلربما سقط في الوادي أسفل منا.
أخذ الدب يزحف باتجاهنا إلى أن وجدتُ نفسي مضطرًا للخروج من العرين؛ فأغلقنا مدخله باهتياج مستعملينَ حقائب الظهر والعصيّ فيما طعنه ويس مرة أخرى بالمحقنة. لكن الدب تمكن من اختراق متراسنا بقوة وتجاوزنا سائرًا بخطى مترنّحة؛ فبدأ يزحف هابطًا المنحدر الثلجي. هنالك رمى جيف وجوردان نفسيهما للإمساك برِجلَي الدب، وحاولا جاهدين التشبّث به؛ أما ويس فقفز على ظهره وأمسك بطوقه.
راح الدب يسحبهما إلى أسفل سفح التل حتى استقر لدى الأغصان الخفيضة لشجرة صنوبر. فقد كان مفعول المخدر قد بدأ. ونام الدب لحظتَها. تولّى ويس وشقيقه تغيير بطاريات طوق التعقّب ودرسا حالة الدب الصحية. ولكن بقيت على عواتقنا مَهمّة أخيرة شاقّة، هي عَـتْــلُ دبٍّ مرتخٍ يزن نحو 160 كيلوجرامًا على مرتقًى ثلجي ومن ثم سحبه إلى عرينه بأمان من جديد قبل أن يستيقظ. فطفقنا ندفعه ونجرجره بكل ما أوتينا من قوة.. فنجحنا أخيرًا قبل زوال مفعول المخدر.
عندما حلّ فصل الربيع، أظهرت الإشارات المُرسَلة من طوق التعقّب الجديد حول رقبة الدب أنه واصل حياته الاعتيادية، متحاشيًا الاحتكاك بالبشر.. أو ذلك ما كنا، وسنظل، نأمل.
كانت مَهمّتنا تتمثّل ببساطة في تبديل بعض البطاريات.. لكن المشكلة هي أن تلك البطاريات كانت في جهاز تعقّب داخل طوقٍ حول رقبة دب أسود يعيش في "منتزه برايس كانيون الوطني" بولاية يوتاه. ولقد جئتُ تلبيةً لدعوة من "ويس لارسون" لمرافقته في ما وصفها بـِ "مغامرة صغيرة" تمثّلت في تخدير ذلك الدب أثناء سباته الشتوي. لارسون عالم بيولوجيا متخصص في الحيوانات البرية، وكان حينها يحاول إيجاد طريقة لتقليل المواجهات بين البشر والدببة في مواقع التخييم ضمن الأماكن غير المأهولة.
في يوم بارد وصافٍ من أيام فبراير، تَتبَّعنا -أنا وويس وشقيقه جيف ومساعده جوردان- إحداثيّات نظام (GPS) المرسَلة من طوق الدب، إذ صعدنا مرتفعًا لنصل إلى وادٍ أخدودي ذي تربة حمراء تكسوه أجمات صحراوية مرتفعة وثلج قد تساقط حديثًا. قادَتْنا تلك الإشارات إلى واجهة سفح تل شديد الانحدار. اشتدت برودة الطقس حتى بلغت 12 درجة مئوية دون الصفر ونحن نَكِـز بعِصيّنا الثلج بحثًا عن مدخل العرين.
هنالك قادتنا إشارة ضعيفة التردد إلى عرائنَ عديدة خالية. ولمّا شارفت شمس اليوم على المغيب، فكّرنا بالعودة؛ لكن ستارًا من الثلج انهار أمامنا ليكشف عن كهف من الحجر الرملي خلفه. هممنا بدخول الكهف فوجدناه يضيق ثم يضيق إلى أن صار نفقًا مظلمًا تنبعث منه رائحةٌ نتنة لحيوان بري.
كان عرْضُ النفق بالكاد يسمح باستدارة واحدة، وكان معوجًّا إلى اليسار بشكل حجب عن أعيننا المشهدَ الذي كان ينتظرنا بالداخل. ومع ذلك، لم يتردّد ويس في اقتحام المكان متقدمًا برأسه وقد تسلّح بعصا قابلة للتمديد أكثر من مترين وفي طرفها مِحقنة تحوي مخدِّرَ حيوانات. ثم سارَ في إثرهِ شقيقُه زحفًا.
بعد ثلاثين ثانية، خرج الرجلان بسرعة من النفق وهما يزحفان بطريقة خلفية. لا عجب، فوزن الدب الذي كانا قد ثبّتا طوق التعّقب حول رقبته قبل عام ونصف العام قد أصبح يناهز الـ 160 كيلوجرامًا.. وكان مستيقظًا! تمكّنا من طعنه بالمحقنة، لذا انتظرنا حتى يسري مفعول المخدّر. وللعلم، فإنه عندما تدخل الدببة السوداء في سباتها الشتوي فإن تنفّسها يصير بطيئًا وتنقص حرارة جسمها بنحو 6.5 درجة مئوية؛ وهي درجة متدنية بما يكفي لخفض معدّل الأيض إلى النصف، ولكنها أيضا كافية لجعل الدببة تستجيب لأي شعور بالخطر. هنالك طفقتُ أزحف على ساعدَي وركبتَي لألحق بويس، وقد شعرتُ بشيء من الأمان لمعرفتي أنه في حال هجم علينا الدب فقد تكون لدي فرصة للهرب، لأن صاحبي سيتعرض للعض والافتراس قبلي.
عندما اجتزنا المنعطف في النفق، لمعَتْ أمامنا عينان شاخصتان. فلقد كان الدب ما يزال مستيقظًا. التقطتُ له سريعًا هذه الصورة المعروضة أعلاه. وطلبَ إلي ويس أن أبقى مكاني فيما عاد هو القهقرى وحضّر جرعة أخرى من المخدر؛ إذْ لَو حدَثَ أن هرب الدب وهو في حالة تخديرٍ جزئي، فلربما سقط في الوادي أسفل منا.
أخذ الدب يزحف باتجاهنا إلى أن وجدتُ نفسي مضطرًا للخروج من العرين؛ فأغلقنا مدخله باهتياج مستعملينَ حقائب الظهر والعصيّ فيما طعنه ويس مرة أخرى بالمحقنة. لكن الدب تمكن من اختراق متراسنا بقوة وتجاوزنا سائرًا بخطى مترنّحة؛ فبدأ يزحف هابطًا المنحدر الثلجي. هنالك رمى جيف وجوردان نفسيهما للإمساك برِجلَي الدب، وحاولا جاهدين التشبّث به؛ أما ويس فقفز على ظهره وأمسك بطوقه.
راح الدب يسحبهما إلى أسفل سفح التل حتى استقر لدى الأغصان الخفيضة لشجرة صنوبر. فقد كان مفعول المخدر قد بدأ. ونام الدب لحظتَها. تولّى ويس وشقيقه تغيير بطاريات طوق التعقّب ودرسا حالة الدب الصحية. ولكن بقيت على عواتقنا مَهمّة أخيرة شاقّة، هي عَـتْــلُ دبٍّ مرتخٍ يزن نحو 160 كيلوجرامًا على مرتقًى ثلجي ومن ثم سحبه إلى عرينه بأمان من جديد قبل أن يستيقظ. فطفقنا ندفعه ونجرجره بكل ما أوتينا من قوة.. فنجحنا أخيرًا قبل زوال مفعول المخدر.
عندما حلّ فصل الربيع، أظهرت الإشارات المُرسَلة من طوق التعقّب الجديد حول رقبة الدب أنه واصل حياته الاعتيادية، متحاشيًا الاحتكاك بالبشر.. أو ذلك ما كنا، وسنظل، نأمل.